مجالس الذكر
إنَّ خيرَ المجالس وأزكاها وأشرفها وأعلاها قدراً عند الله وأجلَّها مكانةً عنده مجالسُ الذكر ، فهي حياة القلوب ونماءُ الإيمان وزكاءُ النفس وسبيلُ السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ، ولهذا ورد في فضلها والحث على لزومها والترغيب في المحافظة عليها نصوصٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنة ، مما يدلُّ على شريف قدر تلك المجالس ورفيع شأنها وعلوِّ مكانتها وأنّها خيرُ المجالس .
إنّ مجالس الذكر هي رياض الجنة في الدنيا . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا )) قَالُوا : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : (( حِلَقُ الذِّكْرِ )) [1] ورواه ابن أبي الدنيا وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا أيها الناس ارتعوا في رياض الجنة )) ، قلنا يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : ((مجالس الذكر)) [2]، ويروى أيضاً من حديث ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم ، وهو حسن بمجموع طرقه[3]. فمن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا ، فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة .
ومجالس الذكر هي مجالس الملائكة ، فإنه ليس من مجالس الدنيا مجلسٌ إلا مجلسٌ يُذكر اللهُ تعالى فيه ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ : مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا يَقُولُونَ : يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ ، قَالَ فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ يَقُولُ : فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ، قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ، قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ يَقُولُونَ : مِنْ النَّارِ ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ، قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً ، قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ : فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ )) [4].
فمجالس الذكر هي مجالس الملائكة بخلاف مجالس الغفلة واللهو والباطل فإنها مجالس الشياطين ، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف : 36] .
إنَّ مجالس الذكر تؤمِّن العبد من الحسرة والندامة يوم القيامة بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنها تكون على صاحبها حسرةً وندامة ًيوم القيامة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ))[5]أي نقص وتبعة وحسرة .
ومن شرف مجالس الذكر وعلو مكانتها عند الله : أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين الملائكة ، كما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : (( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ )) قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ : (( آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ )) قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ : (( أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ ))[6].
ومجالس الذكر سببٌ عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل ، فإنَّ العبد لابدَّ له من أن يتكلم ، وما خلق اللسان إلا للكلام ، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره وبالخير والفائدة تكلم ولابد بهذه المحرمات أو ببعضها ، فمن عوَّد لسانه على ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو ، ومن يَبُس لسانه عن ذكر الله نطق بكل باطلٍ ولغوٍ وفحش .
ومما ينبغي للمسلم أن يتفطن له في هذا المقام : أن ذكر الله تعالى لا يختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير والتحميد ونحوه ، بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه ويرضاه ، بل إنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك ، لأن معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب ما يتعلق به من ذلك ، وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعاً وقد يكون واجباً كالذكر في الصلوات المكتوبة ، وأما معرفة ما أمر الله به وما يحبه ويرضاه وما يكرهه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه .
ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((رياض الجنة حلق الذكر )) يقول: " أما إني لا أعني القُصَّاص ولكن حلق الفقه " ، وروي عن أنس معناه . وقال عطاء الخرساني : " مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام ،كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وأشباه هذا " ، وقال يحيى بن أبي كثير : "درس الفقه صلاة " ، وكان أبو السَّوَّار العدوي في حلقة يتذاكرون العلم ومعهم فتى شاب فقال لهم : قولوا سبحان الله والحمد لله ، فغضب أبو السوار ، وقال : ويحك في أي شيء كنا إذاً ؟! والآثار في هذا المعنى كثيرة .
ولهذا فإنَّ المعاقل العلمية والمؤسسات الشرعية كالجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية ونحوها مما يعتنى فيها بتعليم الناس الشريعة وتفقيههم في دينهم وتبصيرهم بالحلال والحرام والحق والباطل والهدى والضلال وتتلى فيها آيات الله ويدرس فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشر فيها العلم ، هي بلا شك ولا ريب من مجالس الذكر التي يندب في الشريعة إلى الجلوس إليها والإفادة منها.بقلم :
فضيلة الشَّيخ الدكتور
عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
حفظه الله
إنّ مجالس الذكر هي رياض الجنة في الدنيا . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا )) قَالُوا : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : (( حِلَقُ الذِّكْرِ )) [1] ورواه ابن أبي الدنيا وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا أيها الناس ارتعوا في رياض الجنة )) ، قلنا يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : ((مجالس الذكر)) [2]، ويروى أيضاً من حديث ابن عمر وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم ، وهو حسن بمجموع طرقه[3]. فمن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا ، فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة .
ومجالس الذكر هي مجالس الملائكة ، فإنه ليس من مجالس الدنيا مجلسٌ إلا مجلسٌ يُذكر اللهُ تعالى فيه ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ : مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا يَقُولُونَ : يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ ، قَالَ فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ يَقُولُ : فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ، قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ، قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ يَقُولُونَ : مِنْ النَّارِ ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ، قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً ، قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ : فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ )) [4].
فمجالس الذكر هي مجالس الملائكة بخلاف مجالس الغفلة واللهو والباطل فإنها مجالس الشياطين ، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف : 36] .
إنَّ مجالس الذكر تؤمِّن العبد من الحسرة والندامة يوم القيامة بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنها تكون على صاحبها حسرةً وندامة ًيوم القيامة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ))[5]أي نقص وتبعة وحسرة .
ومن شرف مجالس الذكر وعلو مكانتها عند الله : أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين الملائكة ، كما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : (( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ )) قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ : (( آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ )) قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ : (( أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ ))[6].
ومجالس الذكر سببٌ عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل ، فإنَّ العبد لابدَّ له من أن يتكلم ، وما خلق اللسان إلا للكلام ، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره وبالخير والفائدة تكلم ولابد بهذه المحرمات أو ببعضها ، فمن عوَّد لسانه على ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو ، ومن يَبُس لسانه عن ذكر الله نطق بكل باطلٍ ولغوٍ وفحش .
ومما ينبغي للمسلم أن يتفطن له في هذا المقام : أن ذكر الله تعالى لا يختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير والتحميد ونحوه ، بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه ويرضاه ، بل إنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك ، لأن معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب ما يتعلق به من ذلك ، وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعاً وقد يكون واجباً كالذكر في الصلوات المكتوبة ، وأما معرفة ما أمر الله به وما يحبه ويرضاه وما يكرهه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه .
ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((رياض الجنة حلق الذكر )) يقول: " أما إني لا أعني القُصَّاص ولكن حلق الفقه " ، وروي عن أنس معناه . وقال عطاء الخرساني : " مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام ،كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وأشباه هذا " ، وقال يحيى بن أبي كثير : "درس الفقه صلاة " ، وكان أبو السَّوَّار العدوي في حلقة يتذاكرون العلم ومعهم فتى شاب فقال لهم : قولوا سبحان الله والحمد لله ، فغضب أبو السوار ، وقال : ويحك في أي شيء كنا إذاً ؟! والآثار في هذا المعنى كثيرة .
ولهذا فإنَّ المعاقل العلمية والمؤسسات الشرعية كالجامعات الإسلامية والمعاهد الدينية ونحوها مما يعتنى فيها بتعليم الناس الشريعة وتفقيههم في دينهم وتبصيرهم بالحلال والحرام والحق والباطل والهدى والضلال وتتلى فيها آيات الله ويدرس فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشر فيها العلم ، هي بلا شك ولا ريب من مجالس الذكر التي يندب في الشريعة إلى الجلوس إليها والإفادة منها.بقلم :
فضيلة الشَّيخ الدكتور
عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
حفظه الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق